04‏/01‏/2011

كلام الليل يمحوه النهار ..


جاء في العقد الفريد أن الأمين ( وقيل الرشيد ) كان يطوف في قصر له , إذ مرّ بجارية له سكرى , وعليها كساء حزّ , تسحب أذيالها , فوعدته أن تزوره في اليوم التالي .
فلمّا كان الغد , مضى اليها وقال لها : الموعد .
فقالت له : يا أمير المؤمنين , أما علمت أن كلام الليل يمحوه النهار .
فضحك وخرج إلى مجلسه , وسأل عمّن بالباب من شعراء الكوفة , فقيل له : مصعب , والرقّاشي , وأبو نواس .
فأمر بهم , فدخلوا .
فلمّا جلسوا بين يديه , قال : ليقل كلّ واحد منكم شعراً آخره :


كلام الليل يمحوه النهار .


فأنشأ الرقّاشي يقول :

متى تصحو وقلبك مستطار .. وقد مثنع القرار فلا قرارُ
وقد تركتك صبّاً مستهاماً .. فتاةٌ لا تزورُ ولا تُزارُ
إذا استنجزت منها الوعد قالت .. كلام الليل يمحوه النهارُ



فأنشد مصعب قائلاً :

أتعذلني وقلبي مستطارُ .. وكئيبٌ لا يقرُّ له قرارُ
يحِبُّ مليحةً صادت فؤادي .. بألحاظٍ يُخالطها مِنها احورارُ
ولمّا أن مددت يدي إليها .. لألمسها بدا مِنها نفارُ
فقُلت لها عديني مِنكِ وعداً فقالت : في غدٍ منك المزارُ
فلمّا جئتُ مقتضياً أجابت .. كلام الليل يمحوه النهارُ



فأنشد أبو نواس :

وخُدٍ أقبلت في القصر سكرى .. ولكن زيّن السُكرَ الوقارُ
وهزّ المشي أردافاً ثقالاً .. وغصناً فيه رُمانٌ صغارُ
وقد سقط الّدا عن منكبيها .. مِن التجميش وانحلّ الإزارُ
فقلتُ : الوعد سيّدتئ فقالت .. كلام الليل يمحوه النهار ..



أي بلاغة وأي فصاحة ألم بها هؤلاء القوم




اعمى يقود مبصر !! ..


لقي الشاعر العباسي الأعمى (( بشار بن بُرد )) رجلاً غريباً يسأل عن منزل أحد سكان البصرة , فقال له بشّار :
سر في هذا الطريق , فإنّ صاحبك يسكن في المنزل الأخير منه .
فقال الرجل : ولكن ألا ترشدني ؟
فقال بشّار : أتريد من الأعمى الإرشاد ؟
قال الرجل : إني أمسك بيدك وأنت تقودني !

فأمسك بشاّر بيده وأنشد بيته المشهور :

إعمى يقود بصيراً لا أبا لكُمُ ... قد ضلّ من كانت العميان تهديه




زوج الدجاجات
قيل :

بينما كان أمير المؤمنين هارون الرشيد في مجلسه , وعن يمينه ويساره الوزراء والعظماء من اهل مملكته وأصحاب الرأي عنده , دخل عليه حاجبه معلناً قدوم أبي نواس , فقال الخليفة :
دعه ينتظر قليلاً , ثُم نظر إلى جلسائه , وقال : هذه فرصة سانحة نضحك فيها على أبي نواس , ويجب أن أستحضر لكلٍّ منكم بيضة تخبئونها في طيّات ثيابكم , حتّى إذا دخل أبو نواس , يتكلم كل واحد منكم بكلام , فيتكلّم أحدكم كلمة أغضب عليكم عند سماعها , وأقول : يالكم من ضعاف مثل الفراخ , تالله إذا لم تفعلوا مثل الدجاج ويبيض كل منكم بيضة لأقطعنّ رقابكم ..

فقالوا : سمعاً وطاعة يا أمير المؤمنين , وعندئذٍ طلب الخليفة الحاجب وقال له : إذهب فاستحضر ستّ بيضات , ولا تدع أحداّ يراك , خصوصاً أبا نواس , فخرج الحاجب وعاد منفذاً أمر الخليفة وأعطى لكلٍ من الجالسين بيضة خبأها بين طيات ثيابه , وجلسوا ينتظرون ..

ودخل أبو نواس فسلّم على أمير المؤمنين سلام الخلافه , وأظهر الرشيد انتباهه إلى حديث جلسائه , ونطق أحدهم بكلمةٍ غضب منها الرشيد غضباً شديداً فصاح بهم : ويحكم أيها الجبناء ,

إنكم مثل الدجاج , ولا أجد فرقاً بينكم وبينها ... والله ... إن لم يبض كل منكم بيضة لأقطعن رقابكم , فأظهروا الأظطراب والخوف , وأخذوا يفعلون كما تفعل الفراخ , وبعد قليل مدّ الأول منهم يده فأخرج بيضته وقال : ها هي بيضتي يا أمير المؤمنين وأعقبه الثاني حتى السادس , وكان الخليفه يقول لكل من يقدم بيضته , قد نجوت ولمًا جاء الدور على أبي نواس وقف على قدميه ومشى حتى توسط الجميع وصار أمام الخليفة وجهاً لوجه ثم صار يقول : كاك .. كاك .. كاك كما يفعل الديك بين دجاجاته ثم ضرب إبطيه على بعضهما , وصاح بأعلى صوته كما يفعل الديك تماما , كوكو .. كوووووو ..

فقال له الخليفة : ماهذا يا أبا نواس ؟!
فقال : عجباً يا أمير المؤمنين .. هل رأيت دجاجات تبيض من غير ديك ؟ هؤلاء دجاجاتك وانا ديكهم ..
فضحك الخليفة حتى كاد يسقط عن كرسيّه , وقال له : يالك من خبيث ماكر , تالله لو لم تكن فعلت ذلك لعاقبتك .. ثم أمر له بهدية ومال , وهو معجب بذكائه وسرعة خاطره ونباهته ..


***لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين***

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق