من قصص الحجاج بن يوسف الثقفي .
فارسة الخوارج!
غزالة .. المرأة التي خشي الحجاج منازلتها بالسيف!
كانت تقاتل بجوار زوجها شبيب وتسعدها رؤية الدماء والأشلاء!
التاريخ مليء بالحكايات المثيرة ، والأحداث الخطيرة.. إن قارئه أشبه بقاريء رواية الأديب المؤرخ ه. ج ديلز (آلة الزمن) حيث يستطيع من يركب هذه الآلة أن ينتقل عبر العصور بسهولة ويسر، ويري ماجري وماسيجري في العالم من أحداث.
والسؤال الذي يبرز في الذهن: كيف نستفيد من هذه الرؤي وتلك الأحداث.. هل نقرأها حبا للاستطلاع أم نقف امامها مستفيدين من دروس التاريخ.؟
وقد وقفت امام هذه القصة المثيرة التي قرأتها في كتاب (نساء محاربات) للأديبة صوفي عبدالله .. لقد توقفت أمامها كثيرا، لانها تجعلك تقف امام بعض المواقف مشدوها.. كيف يشكل الفكر والعقيدة سلوك الناس، فيعيش لهذه الأفكار ويدين بها حتي لو كانت بعيدة عن الصواب.
القصة تتحدث عن امرأة اسمها (غزالة).. وغزالة تلك كانت من الخوارج، وكانت شجاعتها مضرب الأمثال، كما كان زوجها (شبيب بن يزيد) أيضا مضرب الامثال في الشجاعة، وكان شبيب هذا أميرا للخوارج،
قيل عنه إنه قتل خمسة من قواد الحجاج بن يوسف الثقفي، وهزم له عشرين جيشا.!
وكانت زوجته هذه خطيبة بارعة في الخطابة، كما كانت تحارب وتقاتل معه في ميدان القتال، غير آبهة بخطر، ودون ان تخشي منازله الفرسان.. بما فيهم تحديها للحجاج بن يوسف الثقفي نفسه علي غلظته ودمويته ووحشيته!
وقبل ان نتحدث عن قصة (غزالة) تلك لابد ان نعرف شيئا عن فكر الخوارج، والخوارج اسم يطلق كما يقول الدكتور محمد عبدالمنعم القيعي علي كل من خرج علي الامام الحق المتفق عليه، وهم المتمردوين علي طاعة الإمام دون ان يعتنقوا مذهبا معينا او يكون لهم رأي خاص بهم، لكن صار هذا الاسم عاما علي طائفة لها منطقها ورأيها ، وقد اطلقت عليهم اسماء عديدة!
المهم أن هذه الطائفة أحدثت في المجتمع الاسلامي فتنة عارمة لتكفيرهم كل من لم يكن معهم علي من يحاربونه ولو كان موقفه سلبيا أو محايدا.
* * *
ومع ذلك فقد امتاز هؤلاء المتطرفون بالجرأة والشجاعة النادرة ، حتي اننا نراهم وهم يتصدون لمن يحاربهم بعنف وشراسة..
وقد حاربهم الحجاج بن يوسف الثقفي في عهد عبدالملك بن مروان بلا هوادة..
وكان الحجاج بن يوسف شديد الوطأة علي من يحاربه.. ولم يكن يعمل لأي إنسان أي حساب، حتي أنه قسا علي (أنس بن مالك ابن النضر) خادم رسول الله صلي الله عليه وسلم،ولم يسلم منه الا بعد أن وبخه الخليفة عبدالملك بن مروان، الذي أمره أن يعتذر لخادم الرسول، وتعجب من جرأته أن بعنف أنس خادم رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي كان يطلعه علي سره، ويفشي له الاخبار التي تأتيه من ربه' كما جاء في كتابه الي الحجاج ثم عقب ذلك بأن أمره أن يمشي علي قدميه راجلا غير راكب.
وأطاع الحجاج أمر الخليفة، واعتذر له، وطلب منه أن يكتب إلي الخليفة يلتمس منه الرضا والصفح عنه.
* * *
الحجاج هذا بكل غلظته، وقفت أمامه (غزاله) في إحدي المعارك، بعد أن قتلت العديد من فرسانه، ثم طلبت منه المبارزة، فخاف منها الحجاج، وهرب من هذه المواجهة.. فيره عمران بن قحطان بتلك الأبيات اللاذعة التي تقطر تهكما وزراية؟
أسد علي، وفي الحروب نعامة
فتخاء تنفر من صفير الصافر
هلا برزت إلي غزالة في الوغي
بل كان قلبك في جناحي طائر!!
أما زوجها فهو رجل من جبابرة الخلق وعتاتهم، له امرأة علي غراره، قيل أنها كانت فقيهة أيضا وخطيبة، فهي معتزة بجبروت رجلها، حتي أنها قالت له يوما:
باشبيب..!.. لقد نذرت لله نذرا سألتك أن تعينني علي الوفاء به؟
وماذاك ياغزالة يرحمك الله؟
أن أصلي في مسجد الكوفة الجامع ركعتين، أقرأ في الأولي سورة البقرة، وفي الثانية سورة آل عمران.
وما أدراك ما الكوفة آنزاك.
انها حاضرة الجبار العنيد ابن يوسف الثقفي الذي قتل له شبيب القواد، وأفني له الاف الاجناد، وجعله مضغة في أفواه العباد، وان للحجاج في الكوفة لستين ألفا جمعهم لحرب شبيب وغزالة.
ولكنه الجبروت والعزة بالفتوة!
وناهيك بالبقرة وآل عمران: انهما أطول سور القرآن قاطبة، فآيات البقرة مائتان وست وثمانون آية، وآيات آل عمران مائتان.
وناهيك بصلاة تتلي فيها هاتان السورتان وسط عدو عدته ستون ألفا.. أنها ليست صلاة الواجف العجلان، بل هي فعلة المستأني أناة الاستهانة بعدوه الجرار.
ولكنه الجبروت والعزة بالفتوة
* * *
والعجيب ان شبيب حقق أمل زوجته (غزالة) فزحف بجيشه نحو الكوفة، وقتل في طريقه من قتل من رجال الحجاج، ودخل الكو فة نفسها وفيها الحجاج وجنده، وسار في شوارعها وبجواره غزالة حتي دخلت المسجد لتصلي فيه، ووقف هو وبعض جنوده عند البا بالحراستها، حت
أدت نذرها وعاد من حيث قدم !!
ويقال عنها انها كانت تهاجم المدن ومعها مجموعة من النساء، حتي قال فيها خزيمة بن فاتك الأسدي:
أقامت غزالة سوق الضرار
لأهل العراقين حولا قميطا
سمت للعراقين في جيشها
فلاقي العراقان منها أطيطا
(والاطيط) هو الصوت يخرج عند اشتداد الكرب، او هو حنين الابل الي معاطفها، والمعني:
أن أهل العراق لقوا منها الويل والحرب!!
والمحللون لشخصية هذه المرأة الجريئة التي لاتعبأ بالحروب، ولاتخشي الرجال، والتي كانت تقاتل وتقتل، ولاتخشي رؤية دماء الضحايا، ولاتعاف رؤية الأشلاء، ماكانت تفعل كل ذلك، إلا أنها كانت تري في زوجها شبيب القدوة والمثال.
فهو جريء لايعرف الخوف،
شديد لايعرف اللين،
يدافع عمعا يعتقد دفاعا دونه الموت.
وكانت هي تقلده في كل ذلك.
تراه لايهاب الموت فلم تهب نهاب الموت.!
وتراه متعطشا للدماء، فتاقت نفسها لرؤية الدماء.!
لم تحارب عن فكر..
ولم تحارب عن دين..
بل حاربت وهي تعتقد ان مايخالف رأيها أو يخالف رأي الخوارج مصيره الموت..
كانت تحارب عن ضيق أفق.
وتحارب عن تعصب ممقوت
او كما يقول الامام الغزالي في كتابة المنقذ من الضلال:
'إن للإسلام عدوا من الخارج، هو أقل خطرا كالمشركين والوثنيين.
وعدوا من الداخل هو أشد خطرا كمسلم جاهل لايفهم دينه، ويتعصب لجهله وضلاله.!
* * *
وتمر الأيام
ويغرق زوجها شبيب عندما نفر به جواده، وسقط في دجلة.. وانتهت حياته!
وإذا بغزالة وقد فقدت الرجل التي كانت تري فيه كل مثلها، قد انهارت قواها، ولم تعد لديها القدرة علي التحدي والقتال.. ماتت فيها هذه الروح، ووهن فيها العزم، ولم تعد هي هي التي تخوض المعارك ولايهمها يجور الدم.. حتي انها في أول مواجهة منيت بهزيمة ساحقة، وقتلت في هذه المعركة..
و.. أسدلت الايام ستار النسيان علي امرأة كانت في يوم من الايام تملأ الحياة خوفا ورعبا، لانها كانت تتمثل بزوجها الذي عاش حياته، وهو يري انه علي حق، وغيره علي الباطل، ولم يفكر او يعمل عقله مرة واحدة، حتي يثوب لرشده وتثوب معه الجماعة التي تعلقت به، وآمنت بفكره!
مراجع
نساء محاربات
كلنا يسمع عن الحجاج بن يوسف الثقفي وأحببيت ان أقدم لكم بعض القصص الطريفة التي حدثت لبعض الناس أثناء مثولهم أمام الحجاج .
غرق الحجاج في النهر :
كان الحجاج يوما يسبح فى نهر واخذه التيار بعيدا عن الشاطىء وكاد ان يغرق فى النهر فصاح بأعلى صوته وقال انقذونى فلم يسمعه الحرس .... ولم
يسمعه الا شاب فقير وكان الشاب لايعرف الحجاج فقفز مسرعا نحوه واخذ فى انقاذه فأخرج الحجاج مما كان فيه
فنظر اليه الحجاج وقال له تمنى على فقال الشاب ماذا اتمنى من رجل عارى الجسد لايملك شيئا فقال الحجاج تمنى وستجد ماتتمناه
الا تعلم من انا ؟؟ فقال الشاب لالا اعلم الا انك
كنت مشرفا على الموت ...فقال الحجاج انا الحجاج بن يوسف ففزع الشاب وقال الان اتمنى عليك فقال الحجاج تمنى واطلب ماتريد .
فقال الشاب اسألك بالله عندما يسألك القوم من انقذك فلا تقل اننى الذى انقذتك وهذا ماأتمناه ...
مجنون بني عجل:
حُكِي أن الحجاج خرج يوما متنزها، فلما فرغ من نزهته صرف عنه أصحابه وانفرد بنفسه، فإذا هو بشيخ من بني عجل،
فقال له: من أين أيها الشيخ
قال: من هذه القرية.
قال: كيف ترون عمالكم
قال: شر عمال؛ يظلمون الناس، ويستحلون أموالهم.
قال: فكيف قولك في الحجاج
قال: ذاك، ما ولى العراق شر منه، قبحه الله، وقبح من استعمله
قال: أتعرف من أنا قال: لا. قال: أنا الحجاج
قال: جُعلت فداك
أو تعرف من أنا؟
قال: لا.
قال: فلان بن فلان، مجنون بني عجل، أصرع في كل يوم مرتين.
قال: فضحك الحجاج منه، وأمر له بصِلة .
الصوم في الحر:
كان الحجاج بن يوسف الثقفي ، علي مآبه من صلف وتجبر وحب لسفك الدماء ، جواداً كريماً
لا تخلو موائده كل يوم من الآكلين ، وكان يرسل إلى مستطعميه الرسل ،ولما شق عليه ذلك ،
قــــــال لهم : رسولي إليكم الشمس إذا طلعت ، فاحضروا للفطور، وإذا غربت فاحضروا للعشاء.
وحدث انه خرج يوماً لصيد ، وكان معه أعوانه وحاشيته ، ولما حضرا غداؤه
قــــــال لأصحابه التمسوا من يأكل معنا فتفرقوا كل إلى جهة فلم يجدوا إلا أعرابيا فاتو به
فــقـــال له الحجاج : هلم يا أعرابي فكل
قـــال الأعرابي : لقد دعاني من هو أكرم منك فأجبته
قـــال الحجاج ومن هو ؟؟
قـــال الأعرابي: الله سبحانه وتعالى ، دعاني إلى الصوم فــــــأنا صائم .
قـــال الحجاج : صوم مثل هذا اليوم على حره ؟
قـــال الأعرابي : صمت ليوم هو أحر منه .
قـــال الحجاج فأفطر اليوم وصم غداً
قـــال الأعرابي : أو يضمن لي الأمير أن أعيش غدا
قـــال الحجاج : ليس لي إلى ذلك سبيل .
قــال الأعرابي : فكيف تطلب مني عاجلاً بآجل ليس عليه سبيل ؟
قــال الحجاج انه طعام طيب .
قـــال الأعرابي : والله ما طيبه خبازك ولا طباخك ولكن طيبته العافية
قـــال الحجاج أبعدوه عني.
1 ) الحجاج والرجل اليمني : ذهب الطاغية يعتمر، وأخذ معه حراسة مشددة، لأنه يعلم أنه ظالم، ولما أتى مقام إبراهيم، وقف يصلي ركعتين، فوضع حرسه وجنوده السلاح والسيوف والرماح والخناجر على الأرض. والذي يروي هذه القصة طاوس بن كيسان، أحد العلماء، قال: كنت جالساً عند المقام، فسمعت الجلبة، يعني الصوت والضجة، فالتفتُّ، فرأيت الحجاج وحرسه، فقلت: اللهم لا تمتعه بصحته ولا بشبابه.
فلما جلس الحجاج بعد أن أدى الركعتين، أتى رجل فقير من أهل اليمن، وقام يطوف بالبيت، ولم يعلم أن الحجاج بن يوسف عند المقام، وفي أثناء طواف هذا لفقير، نشبت حربة بثوب هذا الفقير اليمني، ثم وقعت على بدن الحجاج.. ففزع الحجاج وقال: خذوه، فأخذه الجنود، ثم قال: قربوه مني، فقربوه منه، فقال الحجاج لهذا الفقير المعتز بالله: أعرفتني؟ قال: ما عرفتك.
قال الحجاج: من واليكم على اليمن؟
قال الفقير: محمد بن يوسف، أخو الحجاج، ظالم مثله!! أو أسوأ منه!!
قال الحجاج: أما علمت أني أنا أخوه؟
قال الفقير: أنت الحجاج؟
قال الحجاج: نعم.
قال الفقير: بئس أنت، وبئس أخوك!!
قال الحجاج: كيف تركت أخي في اليمن؟
قال الفقير: تركته بطيناً سميناً.
قال الحجاج: ما سألتك عن صحته، إنما سألتك عن عدله.
قال الفقير: تركته غاشماً ظالماً.
قال الحجاج: أما علمت أنه أخي؟ أما تخاف مني؟
قال الفقير: أتظن يا حجاج أن أخاك يعتز بك، أكثر من عزتي بالواحد الأحد؟
قال طاوس الراوي: والله لقد قام شعر رأسي،
ثم أطلق الحجاج الرجل،
فجعل يطوف بالبيت، لا يخاف إلا الله!!.
غرق الحجاج في النهر :
كان الحجاج يوما يسبح فى نهر واخذه التيار بعيدا عن الشاطىء وكاد ان يغرق فى النهر فصاح بأعلى صوته وقال انقذونى فلم يسمعه الحرس .... ولم
يسمعه الا شاب فقير وكان الشاب لايعرف الحجاج فقفز مسرعا نحوه واخذ فى انقاذه فأخرج الحجاج مما كان فيه
فنظر اليه الحجاج وقال له تمنى على فقال الشاب ماذا اتمنى من رجل عارى الجسد لايملك شيئا فقال الحجاج تمنى وستجد ماتتمناه
الا تعلم من انا ؟؟ فقال الشاب لالا اعلم الا انك
كنت مشرفا على الموت ...فقال الحجاج انا الحجاج بن يوسف ففزع الشاب وقال الان اتمنى عليك فقال الحجاج تمنى واطلب ماتريد .
فقال الشاب اسألك بالله عندما يسألك القوم من انقذك فلا تقل اننى الذى انقذتك وهذا ماأتمناه ...
مجنون بني عجل:
حُكِي أن الحجاج خرج يوما متنزها، فلما فرغ من نزهته صرف عنه أصحابه وانفرد بنفسه، فإذا هو بشيخ من بني عجل،
فقال له: من أين أيها الشيخ
قال: من هذه القرية.
قال: كيف ترون عمالكم
قال: شر عمال؛ يظلمون الناس، ويستحلون أموالهم.
قال: فكيف قولك في الحجاج
قال: ذاك، ما ولى العراق شر منه، قبحه الله، وقبح من استعمله
قال: أتعرف من أنا قال: لا. قال: أنا الحجاج
قال: جُعلت فداك
أو تعرف من أنا؟
قال: لا.
قال: فلان بن فلان، مجنون بني عجل، أصرع في كل يوم مرتين.
قال: فضحك الحجاج منه، وأمر له بصِلة .
الصوم في الحر:
كان الحجاج بن يوسف الثقفي ، علي مآبه من صلف وتجبر وحب لسفك الدماء ، جواداً كريماً
لا تخلو موائده كل يوم من الآكلين ، وكان يرسل إلى مستطعميه الرسل ،ولما شق عليه ذلك ،
قــــــال لهم : رسولي إليكم الشمس إذا طلعت ، فاحضروا للفطور، وإذا غربت فاحضروا للعشاء.
وحدث انه خرج يوماً لصيد ، وكان معه أعوانه وحاشيته ، ولما حضرا غداؤه
قــــــال لأصحابه التمسوا من يأكل معنا فتفرقوا كل إلى جهة فلم يجدوا إلا أعرابيا فاتو به
فــقـــال له الحجاج : هلم يا أعرابي فكل
قـــال الأعرابي : لقد دعاني من هو أكرم منك فأجبته
قـــال الحجاج ومن هو ؟؟
قـــال الأعرابي: الله سبحانه وتعالى ، دعاني إلى الصوم فــــــأنا صائم .
قـــال الحجاج : صوم مثل هذا اليوم على حره ؟
قـــال الأعرابي : صمت ليوم هو أحر منه .
قـــال الحجاج فأفطر اليوم وصم غداً
قـــال الأعرابي : أو يضمن لي الأمير أن أعيش غدا
قـــال الحجاج : ليس لي إلى ذلك سبيل .
قــال الأعرابي : فكيف تطلب مني عاجلاً بآجل ليس عليه سبيل ؟
قــال الحجاج انه طعام طيب .
قـــال الأعرابي : والله ما طيبه خبازك ولا طباخك ولكن طيبته العافية
قـــال الحجاج أبعدوه عني.
1 ) الحجاج والرجل اليمني : ذهب الطاغية يعتمر، وأخذ معه حراسة مشددة، لأنه يعلم أنه ظالم، ولما أتى مقام إبراهيم، وقف يصلي ركعتين، فوضع حرسه وجنوده السلاح والسيوف والرماح والخناجر على الأرض. والذي يروي هذه القصة طاوس بن كيسان، أحد العلماء، قال: كنت جالساً عند المقام، فسمعت الجلبة، يعني الصوت والضجة، فالتفتُّ، فرأيت الحجاج وحرسه، فقلت: اللهم لا تمتعه بصحته ولا بشبابه.
فلما جلس الحجاج بعد أن أدى الركعتين، أتى رجل فقير من أهل اليمن، وقام يطوف بالبيت، ولم يعلم أن الحجاج بن يوسف عند المقام، وفي أثناء طواف هذا لفقير، نشبت حربة بثوب هذا الفقير اليمني، ثم وقعت على بدن الحجاج.. ففزع الحجاج وقال: خذوه، فأخذه الجنود، ثم قال: قربوه مني، فقربوه منه، فقال الحجاج لهذا الفقير المعتز بالله: أعرفتني؟ قال: ما عرفتك.
قال الحجاج: من واليكم على اليمن؟
قال الفقير: محمد بن يوسف، أخو الحجاج، ظالم مثله!! أو أسوأ منه!!
قال الحجاج: أما علمت أني أنا أخوه؟
قال الفقير: أنت الحجاج؟
قال الحجاج: نعم.
قال الفقير: بئس أنت، وبئس أخوك!!
قال الحجاج: كيف تركت أخي في اليمن؟
قال الفقير: تركته بطيناً سميناً.
قال الحجاج: ما سألتك عن صحته، إنما سألتك عن عدله.
قال الفقير: تركته غاشماً ظالماً.
قال الحجاج: أما علمت أنه أخي؟ أما تخاف مني؟
قال الفقير: أتظن يا حجاج أن أخاك يعتز بك، أكثر من عزتي بالواحد الأحد؟
قال طاوس الراوي: والله لقد قام شعر رأسي،
ثم أطلق الحجاج الرجل،
فجعل يطوف بالبيت، لا يخاف إلا الله!!.
2 ) الحجاج وسعيد بن جبير :
كانت جريمة سعيد بن جبير، أنه عارض الحجاج، قال له أخطأت، ظلمت، أسأت، تجاوزت، فما كان من الحجاج إلا أن قرر قتله؛ ليريح نفسه من الصوت الآخر، حتى لا يسمع من يعارض أو ينصح.
أمر الحجاج حراسه بإحضار ذلك الإمام، فذهبوا إلى بيت سعيد في يوم، لا أعاد الله صباحه على المسلمين، في يوم فجع منه الرجال والنساء والأطفال.
وصل الجنود إلى بيت سعيد، فطرقوا بابه بقوة، فسمع سعيد ذلك الطرق المخيف، ففتح الباب، فلما رأى وجوههم قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، ماذا تريدون؟ قالوا: الحجاج يريدك الآن.
قال: انتظروا قليلاً، فذهب، واغتسل، وتطيب، وتحنط، ولبس أكفانه وقال: اللهم يا ذا الركن الذي لا يضام، والعزة التي لا ترام، اكفني شرّه.
فأخذه الحرس، وفي الطريق كان يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، خسر المبطلون.
ودخل سعيد على الحجاج، وقد جلس مغضباً، يكاد الشرّ يخرج من عينيه.
قال سعيد: السلام على من اتبع الهدى – وهي تحية موسى لفرعون -.
قال الحجاج: ما اسمك؟
قال سعيد: اسمي سعيد بن جبير.
قال الحجاج: بل أنت شقي بن كسير.
قال سعيد: أمي أعلم إذ سمتني.
قال الحجاج: شقيت أنت وشقيت أمك.
قال سعيد: الغيب يعلمه الله.
قال الحجاج: ما رأيك في محمد صلى الله عليه وسلم؟
قال سعيد: نبي الهدى، وإمام الرحمة.
قال الحجاج: ما رأيك في علي؟
قال سعيد: ذهب إلى الله، إمام هدى.
قال الحجاج: ما رأيك فيّ؟
قال سعيد: ظالم، تلقى الله بدماء المسلمين.
قال الحجاج: علي بالذهب والفضة، فأتوا بكيسين من الذهب والفضة، وأفرغوهما بين يدي سعيد بن جبير .
قال سعيد: ما هذا يا حجاج؟ إن كنت جمعته، لتتقي به من غضب الله، فنعمّا صنعت، وإن كنت جمعته من أموال الفقراء كبراً وعتوّاً، فوالذي نفسي بيده، الفزعة في يوم العرض الأكبر تذهل كل مرضعة عما أرضعت.
قال الحجاج: عليّ بالعود والجارية.
لا إله إلا الله، ليالٍ حمراء، وموسيقى والهة، والأمة تتلظى على الأرصفة!!.
فطرقت الجارية على العود وأخذت تغني، فسالت دموع سعيد على لحيته وانتحب.
قال الحجاج: مالك، أطربت؟
قال سعيد: لا، ولكني رأيت هذه الجارية سخّرت في غير ما خلقت له، وعودٌ قطع وجعل في المعصية.
قال الحجاج: لماذا لا تضحك كما نضحك؟
قال سعيد: كلما تذكرت يوم يبعثر ما في القبور، ويحصّل ما في الصدور ذهب الضحك.
قال الحجاج: لماذا نضحك نحن إذن؟
قال سعيد: اختلفت القلوب وما استوت.
قال الحجاج: لأبدلنك من الدينار ناراً تلظى.
قال سعيد: لو كان ذلك إليك لعبدتك من دون الله.
قال: الحجاج: لأقتلنك قتلة ما قتلها أحدٌ من الناس، فاختر لنفسك.
قال سعيد: بل اختر لنفسك أنت أي قتلة تشاءها، فوالله لا تقتلني قتلة، إلا قتلك الله بمثلها يوم القيامة.
قال الحجاج: اقتلوه.
قال سعيد: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين.
قال الحجاج: وجّهوه إلى غير القبلة.
قال سعيد: فأينما تولوا فثمّ وجه الله [البقرة:115].
قال الحجاج: اطرحوا أرضاً.
قال سعيد وهو يتبسم: منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارةً أخرى [طه:55].
قال الحجاج: أتضحك؟
قال سعيد: أضحك من حلم الله عليك، وجرأتك على الله!!.
قال الحجاج: اذبحوه.
قال سعيد: اللهم لا تسلط هذا المجرم على أحد بعدي.
وقتل سعيد بن جبير، واستجاب الله دعاءه، فثارة ثائرة بثرة[1] في جسم الحجاج، فأخذ يخور كما يخور الثور الهائج، شهراً كاملاً، لا يذوق طعاماً ولا شراباً، ولا يهنأ بنوم، وكان يقول: والله ما نمت ليلة إلا ورأيت كأني أسبح في أنهار من الدم، وأخذ يقول: مالي وسعيد، مالي وسعيد، إلى أن مات.
مات الحجاج، ولحق بسعيد، وغيره ممن قتل، وسوف يجتمعون أمام الله – تعالى – يوم القيامة، يوم يأتي سعيد بن جبير ويقول: يا رب سله فيم قتلني؟
يوم يقف الحجاج وحيداً، ذليلاً، لا جنود، ولا حرس، ولا خدم، ولا بوليس، ولا جواسيس. إن كل من في السموات والأرض إلا آتى الرحمن عبداً لقد أحصاهم وعدّهم عداً وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً [مريم:93-95
كانت جريمة سعيد بن جبير، أنه عارض الحجاج، قال له أخطأت، ظلمت، أسأت، تجاوزت، فما كان من الحجاج إلا أن قرر قتله؛ ليريح نفسه من الصوت الآخر، حتى لا يسمع من يعارض أو ينصح.
أمر الحجاج حراسه بإحضار ذلك الإمام، فذهبوا إلى بيت سعيد في يوم، لا أعاد الله صباحه على المسلمين، في يوم فجع منه الرجال والنساء والأطفال.
وصل الجنود إلى بيت سعيد، فطرقوا بابه بقوة، فسمع سعيد ذلك الطرق المخيف، ففتح الباب، فلما رأى وجوههم قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، ماذا تريدون؟ قالوا: الحجاج يريدك الآن.
قال: انتظروا قليلاً، فذهب، واغتسل، وتطيب، وتحنط، ولبس أكفانه وقال: اللهم يا ذا الركن الذي لا يضام، والعزة التي لا ترام، اكفني شرّه.
فأخذه الحرس، وفي الطريق كان يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، خسر المبطلون.
ودخل سعيد على الحجاج، وقد جلس مغضباً، يكاد الشرّ يخرج من عينيه.
قال سعيد: السلام على من اتبع الهدى – وهي تحية موسى لفرعون -.
قال الحجاج: ما اسمك؟
قال سعيد: اسمي سعيد بن جبير.
قال الحجاج: بل أنت شقي بن كسير.
قال سعيد: أمي أعلم إذ سمتني.
قال الحجاج: شقيت أنت وشقيت أمك.
قال سعيد: الغيب يعلمه الله.
قال الحجاج: ما رأيك في محمد صلى الله عليه وسلم؟
قال سعيد: نبي الهدى، وإمام الرحمة.
قال الحجاج: ما رأيك في علي؟
قال سعيد: ذهب إلى الله، إمام هدى.
قال الحجاج: ما رأيك فيّ؟
قال سعيد: ظالم، تلقى الله بدماء المسلمين.
قال الحجاج: علي بالذهب والفضة، فأتوا بكيسين من الذهب والفضة، وأفرغوهما بين يدي سعيد بن جبير .
قال سعيد: ما هذا يا حجاج؟ إن كنت جمعته، لتتقي به من غضب الله، فنعمّا صنعت، وإن كنت جمعته من أموال الفقراء كبراً وعتوّاً، فوالذي نفسي بيده، الفزعة في يوم العرض الأكبر تذهل كل مرضعة عما أرضعت.
قال الحجاج: عليّ بالعود والجارية.
لا إله إلا الله، ليالٍ حمراء، وموسيقى والهة، والأمة تتلظى على الأرصفة!!.
فطرقت الجارية على العود وأخذت تغني، فسالت دموع سعيد على لحيته وانتحب.
قال الحجاج: مالك، أطربت؟
قال سعيد: لا، ولكني رأيت هذه الجارية سخّرت في غير ما خلقت له، وعودٌ قطع وجعل في المعصية.
قال الحجاج: لماذا لا تضحك كما نضحك؟
قال سعيد: كلما تذكرت يوم يبعثر ما في القبور، ويحصّل ما في الصدور ذهب الضحك.
قال الحجاج: لماذا نضحك نحن إذن؟
قال سعيد: اختلفت القلوب وما استوت.
قال الحجاج: لأبدلنك من الدينار ناراً تلظى.
قال سعيد: لو كان ذلك إليك لعبدتك من دون الله.
قال: الحجاج: لأقتلنك قتلة ما قتلها أحدٌ من الناس، فاختر لنفسك.
قال سعيد: بل اختر لنفسك أنت أي قتلة تشاءها، فوالله لا تقتلني قتلة، إلا قتلك الله بمثلها يوم القيامة.
قال الحجاج: اقتلوه.
قال سعيد: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين.
قال الحجاج: وجّهوه إلى غير القبلة.
قال سعيد: فأينما تولوا فثمّ وجه الله [البقرة:115].
قال الحجاج: اطرحوا أرضاً.
قال سعيد وهو يتبسم: منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارةً أخرى [طه:55].
قال الحجاج: أتضحك؟
قال سعيد: أضحك من حلم الله عليك، وجرأتك على الله!!.
قال الحجاج: اذبحوه.
قال سعيد: اللهم لا تسلط هذا المجرم على أحد بعدي.
وقتل سعيد بن جبير، واستجاب الله دعاءه، فثارة ثائرة بثرة[1] في جسم الحجاج، فأخذ يخور كما يخور الثور الهائج، شهراً كاملاً، لا يذوق طعاماً ولا شراباً، ولا يهنأ بنوم، وكان يقول: والله ما نمت ليلة إلا ورأيت كأني أسبح في أنهار من الدم، وأخذ يقول: مالي وسعيد، مالي وسعيد، إلى أن مات.
مات الحجاج، ولحق بسعيد، وغيره ممن قتل، وسوف يجتمعون أمام الله – تعالى – يوم القيامة، يوم يأتي سعيد بن جبير ويقول: يا رب سله فيم قتلني؟
يوم يقف الحجاج وحيداً، ذليلاً، لا جنود، ولا حرس، ولا خدم، ولا بوليس، ولا جواسيس. إن كل من في السموات والأرض إلا آتى الرحمن عبداً لقد أحصاهم وعدّهم عداً وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً [مريم:93-95
قصه غلام أرعد الحجاج بن يوسف الثقفــي
الحجاج مع الإمام جابر بن زيد الأزدي رحمه الله تعالى ( 1 )
من ذلك أن الحجاج بن يوسف كان يكتب ، والإمام جابر بين يديه فسقط القلم من يد الحجاج ، فقال للإمام جابر : ( ناولني القلم ) ،
فقال له الإمام جابر بن زيد : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الله الظالمين وأعوانهم وأعوان أعوانهم ، ولو بمده قلما ) .
فقد عمد الحجاج إلى المكر حيث تعمد اسقاط القلم ليتبين تصرف الإمام جابر إزاء طلب مناولته إياه ، فكان الرفض وكانت الصراحة ، فأدرك الحجاج أن الإمام من طيبنة خاصة طيبة ، وليس من طيبنة المائعين الذين يرغبون في إظهار التقرب في مثل هذه المواقف تعبيرا عن الولاء لقضاء الحاجة
فالإمام لم يكتف في هذه المرة بمجرد الرفض وانما استحضر حديثا جاء ضربة في الصميم للحجاج ، إذا الإمام لا يريد أن يدخل في لعنة الله باي وجه من الوجوه ، بل بأخس الوجوه وأدناها ، وهو الإنبطاح إلى الظلم وقضاء ما يريد الظالم وفعلا خلصه الله تعالى من التسفل الذي اراد الحجاج أن يورطه فيه ، وبرأه من ان يكون ملعونا .
( راجع كتاب نفحات من السير (2 ) للدكتور فرحات بن علي الجعبيري ، ص 106 ـ 107 )
الحجاج مع الإمام جابر بن زيد الأزدي رحمه الله تعالى ( 2 )
في أحد مجالس الحجاج ، قال للإمام جابر : ( يا ابا الشعثاء أخبرني عن اول آية من سورة البقرة )
قال : ( تلك للمؤمنين )
قال : والثانية ؟
قال : ( تلك للكافرين )
قال : والثالثة ؟
قال : ( فيك وفي اصحابك )
فأسقط في يد الحجاج وصمت ...
فقد عمد الحجاج في هذه الواقعة إلى السؤال المباشر ، وبدا مستفسرا عن معاني مطالع سورة البقرة كأنه لا يعرفها من قبل..
لكن الإمام جابر لم يتردد في قول الحق بعبارة صريحة عنيفة لا ألتواء فيها ، وكان يمكن أن يكتفي بالجواب الايسر ، وهو أن يحدد المجموعه الثالثة من الآيات من سورة البقرة جاءت في المنافقين ، ولكنه اختار أن يحشر الحجاج في هؤلاء ، والخطاب المباشر جاء في منتهى البلاغة ( فيك وفي اصحابك ) فكأن آيات النفاق تنزلت في حق الحجاج واعوانه ، بينما نعرف أنها نزلت في حق المنافقين الذين يخفون الكفر ويظهرون الإيمان .
الحجاج مع الإمام جابر بن زيد الأزدي رحمه الله تعالى ( 3 )
قال أحد اصدقاء الإمام جابر بن زيد له يوما بأن الحجاج سيعينه قاضيا ـ أي الصديق نفسه ـ فقال له الإمام جابر محذرا : ( لو ابتليت بشيء من ذلك لركبت راحلتي وهربت ) فكان الإمام ـ رحمه الله ـ يفر من القضاء لأنه يعلم صعوبة التوفيق بين رغبات الولاة ـ الذين يعلم جوهرهم ـ وبين العدل المشروع ...
وتشاء الأقدار أن يبتلى الإمام جابر بما كان يفر منه ... فكيف استطاع التخلص يا ترى ؟
أدخل يزيد بن ابي مسلم ( كاتب الحجاج ، وصديق الإمام جابر ) أدخل الإمام جابر على الحجاج ، فسأله الحجاج : ( أتقرأ ؟ )
قال الإمام : نعم ،
قال : ( أتفرض ؟ ) ـ أي تقسم التركات ـ ،
قال الإمام : نعم ، فعجب الحجاج ثم قال : ( ما ينبغي ان نؤثر بك أحدا بل نجعلك قاضيا بين المسلمين ) ،
فقال الإمام جابر : ( إني اضعف من ذلك ) ،
قال الحجاج : ( وما بلغ ضعفك ؟ ) ،
قال : ( يقع بين المرأة وخادمها شر فلا أحسن أن أصلح بينهما )
فقال الحجاج : ( إن هذا لهو الضعف ) .
فالحجاج عندما سأل الإمام ( أتقرأ ، أتفرض ) إنما ذلك من باب الملاطفة لاستهوائه ، وإلا فإنه يعلم مكانة الإمام جابر وعلمه ، لذلك نجده تحول بسرعة إلى عرض المنصب الذي يحتاج صاحبه إلى علم غزير لا يمكن أن يتجلى للحجاج من خلال الإجابة عن سؤاليه وهما أن الإمام يقرأ ويفرض ، لكن هل يكفي القاضي ان يكون عارفا للقراءة وقادرا على قسمة المواريث فقط ؟
فالحجاج ـ وله من الفقه ما له ـ لم يكن ممتحنا للإمام في علمه ، وإنما كان يمتحنه في قبول الخطة أو رفضها ، وهذا بالإعتماد على الإسلوب المرن الذي لم يكن من طبيعة الحجاج ، ولكن حديث كاتبه يزيد بن ابي مسلم عن الإمام جابر من قبل حول الحدة المباشرة إلى حده غير مباشرة تعتمد على دفع الرجل إلى قبول العرض ....
ولكن الإمام جابر قابل المكر بالمكر والحيلة بالحيلة فأدرك الحجاج من إجابة الإمام أنه أمام شخص غير مغفل وليس من أولئك الراغبين في المناصب بتعديد محاسنهم ومعارفهم ... اجابات مقتضبه ... مما دعا الحجاج مباشرة إلى عرض خطة القضاء ..
لكن الإمام لم يجرفه الهوى بل ظل صامدا بمرونة منقطعة النظير ، مما حدا بالحجاج إلى معذرة الإمام من تلك المهمة .
( راجع كتاب نفحات من السير (2 ) للدكتور فرحات بن علي الجعبيري ، ص 102 ـ 103
فارسة الخوارج!
غزالة .. المرأة التي خشي الحجاج منازلتها بالسيف!
كانت تقاتل بجوار زوجها شبيب وتسعدها رؤية الدماء والأشلاء!
التاريخ مليء بالحكايات المثيرة ، والأحداث الخطيرة.. إن قارئه أشبه بقاريء رواية الأديب المؤرخ ه. ج ديلز (آلة الزمن) حيث يستطيع من يركب هذه الآلة أن ينتقل عبر العصور بسهولة ويسر، ويري ماجري وماسيجري في العالم من أحداث.
والسؤال الذي يبرز في الذهن: كيف نستفيد من هذه الرؤي وتلك الأحداث.. هل نقرأها حبا للاستطلاع أم نقف امامها مستفيدين من دروس التاريخ.؟
وقد وقفت امام هذه القصة المثيرة التي قرأتها في كتاب (نساء محاربات) للأديبة صوفي عبدالله .. لقد توقفت أمامها كثيرا، لانها تجعلك تقف امام بعض المواقف مشدوها.. كيف يشكل الفكر والعقيدة سلوك الناس، فيعيش لهذه الأفكار ويدين بها حتي لو كانت بعيدة عن الصواب.
القصة تتحدث عن امرأة اسمها (غزالة).. وغزالة تلك كانت من الخوارج، وكانت شجاعتها مضرب الأمثال، كما كان زوجها (شبيب بن يزيد) أيضا مضرب الامثال في الشجاعة، وكان شبيب هذا أميرا للخوارج،
قيل عنه إنه قتل خمسة من قواد الحجاج بن يوسف الثقفي، وهزم له عشرين جيشا.!
وكانت زوجته هذه خطيبة بارعة في الخطابة، كما كانت تحارب وتقاتل معه في ميدان القتال، غير آبهة بخطر، ودون ان تخشي منازله الفرسان.. بما فيهم تحديها للحجاج بن يوسف الثقفي نفسه علي غلظته ودمويته ووحشيته!
وقبل ان نتحدث عن قصة (غزالة) تلك لابد ان نعرف شيئا عن فكر الخوارج، والخوارج اسم يطلق كما يقول الدكتور محمد عبدالمنعم القيعي علي كل من خرج علي الامام الحق المتفق عليه، وهم المتمردوين علي طاعة الإمام دون ان يعتنقوا مذهبا معينا او يكون لهم رأي خاص بهم، لكن صار هذا الاسم عاما علي طائفة لها منطقها ورأيها ، وقد اطلقت عليهم اسماء عديدة!
المهم أن هذه الطائفة أحدثت في المجتمع الاسلامي فتنة عارمة لتكفيرهم كل من لم يكن معهم علي من يحاربونه ولو كان موقفه سلبيا أو محايدا.
* * *
ومع ذلك فقد امتاز هؤلاء المتطرفون بالجرأة والشجاعة النادرة ، حتي اننا نراهم وهم يتصدون لمن يحاربهم بعنف وشراسة..
وقد حاربهم الحجاج بن يوسف الثقفي في عهد عبدالملك بن مروان بلا هوادة..
وكان الحجاج بن يوسف شديد الوطأة علي من يحاربه.. ولم يكن يعمل لأي إنسان أي حساب، حتي أنه قسا علي (أنس بن مالك ابن النضر) خادم رسول الله صلي الله عليه وسلم،ولم يسلم منه الا بعد أن وبخه الخليفة عبدالملك بن مروان، الذي أمره أن يعتذر لخادم الرسول، وتعجب من جرأته أن بعنف أنس خادم رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي كان يطلعه علي سره، ويفشي له الاخبار التي تأتيه من ربه' كما جاء في كتابه الي الحجاج ثم عقب ذلك بأن أمره أن يمشي علي قدميه راجلا غير راكب.
وأطاع الحجاج أمر الخليفة، واعتذر له، وطلب منه أن يكتب إلي الخليفة يلتمس منه الرضا والصفح عنه.
* * *
الحجاج هذا بكل غلظته، وقفت أمامه (غزاله) في إحدي المعارك، بعد أن قتلت العديد من فرسانه، ثم طلبت منه المبارزة، فخاف منها الحجاج، وهرب من هذه المواجهة.. فيره عمران بن قحطان بتلك الأبيات اللاذعة التي تقطر تهكما وزراية؟
أسد علي، وفي الحروب نعامة
فتخاء تنفر من صفير الصافر
هلا برزت إلي غزالة في الوغي
بل كان قلبك في جناحي طائر!!
أما زوجها فهو رجل من جبابرة الخلق وعتاتهم، له امرأة علي غراره، قيل أنها كانت فقيهة أيضا وخطيبة، فهي معتزة بجبروت رجلها، حتي أنها قالت له يوما:
باشبيب..!.. لقد نذرت لله نذرا سألتك أن تعينني علي الوفاء به؟
وماذاك ياغزالة يرحمك الله؟
أن أصلي في مسجد الكوفة الجامع ركعتين، أقرأ في الأولي سورة البقرة، وفي الثانية سورة آل عمران.
وما أدراك ما الكوفة آنزاك.
انها حاضرة الجبار العنيد ابن يوسف الثقفي الذي قتل له شبيب القواد، وأفني له الاف الاجناد، وجعله مضغة في أفواه العباد، وان للحجاج في الكوفة لستين ألفا جمعهم لحرب شبيب وغزالة.
ولكنه الجبروت والعزة بالفتوة!
وناهيك بالبقرة وآل عمران: انهما أطول سور القرآن قاطبة، فآيات البقرة مائتان وست وثمانون آية، وآيات آل عمران مائتان.
وناهيك بصلاة تتلي فيها هاتان السورتان وسط عدو عدته ستون ألفا.. أنها ليست صلاة الواجف العجلان، بل هي فعلة المستأني أناة الاستهانة بعدوه الجرار.
ولكنه الجبروت والعزة بالفتوة
* * *
والعجيب ان شبيب حقق أمل زوجته (غزالة) فزحف بجيشه نحو الكوفة، وقتل في طريقه من قتل من رجال الحجاج، ودخل الكو فة نفسها وفيها الحجاج وجنده، وسار في شوارعها وبجواره غزالة حتي دخلت المسجد لتصلي فيه، ووقف هو وبعض جنوده عند البا بالحراستها، حت
أدت نذرها وعاد من حيث قدم !!
ويقال عنها انها كانت تهاجم المدن ومعها مجموعة من النساء، حتي قال فيها خزيمة بن فاتك الأسدي:
أقامت غزالة سوق الضرار
لأهل العراقين حولا قميطا
سمت للعراقين في جيشها
فلاقي العراقان منها أطيطا
(والاطيط) هو الصوت يخرج عند اشتداد الكرب، او هو حنين الابل الي معاطفها، والمعني:
أن أهل العراق لقوا منها الويل والحرب!!
والمحللون لشخصية هذه المرأة الجريئة التي لاتعبأ بالحروب، ولاتخشي الرجال، والتي كانت تقاتل وتقتل، ولاتخشي رؤية دماء الضحايا، ولاتعاف رؤية الأشلاء، ماكانت تفعل كل ذلك، إلا أنها كانت تري في زوجها شبيب القدوة والمثال.
فهو جريء لايعرف الخوف،
شديد لايعرف اللين،
يدافع عمعا يعتقد دفاعا دونه الموت.
وكانت هي تقلده في كل ذلك.
تراه لايهاب الموت فلم تهب نهاب الموت.!
وتراه متعطشا للدماء، فتاقت نفسها لرؤية الدماء.!
لم تحارب عن فكر..
ولم تحارب عن دين..
بل حاربت وهي تعتقد ان مايخالف رأيها أو يخالف رأي الخوارج مصيره الموت..
كانت تحارب عن ضيق أفق.
وتحارب عن تعصب ممقوت
او كما يقول الامام الغزالي في كتابة المنقذ من الضلال:
'إن للإسلام عدوا من الخارج، هو أقل خطرا كالمشركين والوثنيين.
وعدوا من الداخل هو أشد خطرا كمسلم جاهل لايفهم دينه، ويتعصب لجهله وضلاله.!
* * *
وتمر الأيام
ويغرق زوجها شبيب عندما نفر به جواده، وسقط في دجلة.. وانتهت حياته!
وإذا بغزالة وقد فقدت الرجل التي كانت تري فيه كل مثلها، قد انهارت قواها، ولم تعد لديها القدرة علي التحدي والقتال.. ماتت فيها هذه الروح، ووهن فيها العزم، ولم تعد هي هي التي تخوض المعارك ولايهمها يجور الدم.. حتي انها في أول مواجهة منيت بهزيمة ساحقة، وقتلت في هذه المعركة..
و.. أسدلت الايام ستار النسيان علي امرأة كانت في يوم من الايام تملأ الحياة خوفا ورعبا، لانها كانت تتمثل بزوجها الذي عاش حياته، وهو يري انه علي حق، وغيره علي الباطل، ولم يفكر او يعمل عقله مرة واحدة، حتي يثوب لرشده وتثوب معه الجماعة التي تعلقت به، وآمنت بفكره!
مراجع
نساء محاربات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق